من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
53636 مشاهدة
اعتناء هرقل بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم

...............................................................................


يقول: ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله إلى هرقل فلما وصل إليه اهْتَمَّ به، قرأ هذا الكتاب بواسطة المترجم، وإذا فيه:
مِنْ محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم -يعني: أنه كان كبيرهم- سلام على من اتبع الهدى، لم يُسَلِّمْ عليه؛ لأنه في ذلك الوقت مشركٌ ونصراني، إنما أتى بالآية في سورة طه: وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى إن كنت ممن اتبع الهدى فإننا نُشْرِكُكَ في السلام، وإلا فالسلام على مَنِ اتَّبَع الهدى.
أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، يعني: أدعوك بالدعوة التي هي الإسلام الذي هو الإذعان، والذي هو الانقياد لله تعالى، فإن الإسلام مُشْتَقٌّ من الإذعان ، يقال: أسلم البعير، يعني: انقاد..استسلم، ويقال: أسلم العاصي، يعني استسلم وانقاد لمن كان يطالبه أو يطلبه، وسُمِّيَ المسلمون بهذا الاسم؛ لأنهم انقادوا لأمر الله، فهو يقول: اسْلَمْ تَسْلَمْ.. اسلم: يعني ادخل في هذا الإسلام.. تَسْلَمْ: أي: تَسْلَمُ من الْخَسَار، وتسلم من النار، وتسلم من فَقْدِ ملكك، وفَقْدِ ما أنت فيه، وفَقْدِ رئاستك، لو أسلم لَبَقِيَتْ له رئاسته، ولبقي له شَرَفُهُ، أَسْلِمْ يُؤْتِكَ الله أجرك مرتين.
ورد ذلك في حديث أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يُؤْتَوْنَ أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بي يعني: آمن بكتابهم، يعني: ما فيه من التفاصيل كالأناجيل، وآمن بي، فله أجران: أجر إيمانه بكتابه، وما فيه، وأجر إيمانه بي، وإن كانت كتبهم قد نُسِخَتْ بهذا الكتاب الْمُنَزَّلِ على نبينا صلى الله عليه وسلم. ومملوك أدى حق الله تعالى، وحق مواليه فله أجران، ورجل كان له جارية فَأَدَّبَهَا، ثم اعتقها وتزوجها، فله أجران فالحاصل: أنه لما قال: يؤتك الله أجرك مرتين، يعني: على إيمانك بكتابك ومعرفتك به، وإيمانك بي... فإن توليت فإن عليك إثم الإريسيين.. إذا أبيت من الإسلام فإن عليك إثمهم.. الأريسيون هم: الْحُرَّاث، والعوامُّ الذين في بلاده، وكانت تلك البلاد مشهورة بالمزارعين الذين يزرعون الحبوب، وهم عَوَامُّ وجهلة، وهم يتبعونه لكونه رئيسًا، ولكونه مُطَاعًا فيهم، وقد يدخل فيه أيضًا جميع مَنْ كان على دينه؛ النصرانية، يعني: عليك إثم هؤلاء النصارى الذين كنت أنت رئيسًا فيهم، ومطاعًا فيهم إذا توليت.